في الحزنِ أبيع نفسي اشتريها
رغم أنّي لا أرحِّبُ بالأحزانِ قاطبةً
ولستُ من هواةِ الأسى
ولا أحبُّ هيئتي حين البكاء
ولا استعجال نفسي للسّقوط في حلبةٍ سوداء
ولا ترصّدي للأشباحِ المسكونة بي
إنّي أكره فيّ ما فيّ
وألتهمُ قلبي كلّ ليلة كوحشٍ يفترسُ الرّشا؛
فالحزنُ طاغيةٌ..
يؤلِّف ناره طغاةٌ آخرون
وأبدًا هنالك وجهٌ حزينٌ صامدٌ
يقف في وجه الطّغاة؛
لذلك تقدّم أيّها الحزن ثانيًا،
تقدّم، وانحنِ
لقدْ كنتَ في مرمى نيران الأبطال
غير ناجٍ
وقدْ كان حنينُ الصّامدِ لهزيمتِك
معناه، وأصلَه، وجدواه
..
وفي فنِّ البكاء
أبكي غزّة بكلِّ مَنْ وما فيها
أبكي البحرَ الحزين
الشّجرة الوحيدة بين الرّماد
خيّامًا على الأطلال
رغدَ غزّة المهيب
الّذي حوصرَ تحتَ الأنقاض
أبكي الأحلام الوفيرة
الّتي تمسّك بها حالِموها
وقطّعت أيديهم ترسانةُ الصّهيونيّةِ
أبكي الأمل الدّفين في قلوب الآملين
الّذين ربّوه حتّى تعبوا منه
أبكي حزن الصّامدين
الّذين اختاروا أن يصمدوا
لا أن ينهاروا
أبكي السّلاح في حنينه للشّهيد المقاوم
والمقاوم الشّهيد في لهفته نحو سلاحه
أبكي الفقد الشّديد
الّذي يعتلي كلّ ما نريده
الّذي يسرقُ الأمل
الحبّ، الإنسانيّة، والفرح
أبكي كلّ ما أستطيعُ أن أبكيه
وفي ذروةِ الألم
أبكي كلّ أولئك الّذين وحدهم يعرفون الجدوى
مهما بدا الأمرُ للعوام أهوجًا وغير منطقيّ
أبكي كلّ أولئك الّذين آمنوا بالفعل التّحرّريّ
ودفعوا أرواحهم ثمنًا للإيمان
أولئك الّذين يحفرون نحو الشّمس عُراةً، جوعى، حُفاة
وأبكي إذ أبكي
بكاءً طويلًا
ورثاءً لا يحدّه عويل
نفسي المقهورة
فكم خسرتُ نفسي! ومضيتُ
أحملُ خساراتي والأمل
هذه الحرب أخذت الكثير
وكعادةِ الصّهيونيّة في الاستلاب
سلبتني حتّى من أمانيّ
ومِنْ قدرتي على البقاء حتّى اليوم التّالي
أبكي هذا القلب المنكسر
الّذي لا يشبهُ ذاته
ويتسوّلُ الأمل بعدَ أنْ تسرّب منهُ كلُّه؛
لذلك، أنا في الحزنِ أبيعُ نفسي واشتريها.
مزيّن زاهدة - رام اللّه، فلسطين.
This Content Isn't Available In English