بدأ التفكير في مشروع "الإنتاج المعرفي النسوي حول الصحة النفسية" قبل أشهر طويلة من بدء العمل الفعلي عليه. فقد كانت بعض عضوات الفريق يتأملن في أهمية فتح نقاش حول الصحة النفسية من منظورنا كنساء. فالحديث عن الصحة النفسية للنساء مليء بالتناقضات: فمن ناحية نُوصم بأننا "مجنونات"، "مختلّات"، و"فاقدات للأهلية" لأننا "عاطفيات"، "انفعاليّات" و"غاضبات"، ومن ناحية أخرى، حين نعاني فعلًا من آلام واضطرابات نفسية، يُنكَر هذا الألم. وحتى حين نلجأ إلى الطب، فإنه غالبًا ما يفشل في تشخيص "اضطراباتنا النفسية"، لأن هذه العلوم بُنيت أساسًا على دراسة الصحة النفسية للرجال/الذكور وفي مجتمعات مغايرة لمجتمعاتنا. وفي الوقت نفسه، نُغرق باستمرار بثقافة "العافية"، التي، فضلًا عن كونها ثقافة استهلاكية تتعامل مع الصحة النفسية كمنتج قابل للشراء، تنزع عنها أبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية، وتلقي بكامل المسؤولية على الفرد، لتغرقه مجددًا في جلد الذات وتضيف أعباءً جديدة على صحته النفسية.
في المرحلة اللاحقة لهذه النقاشات، تواصلنا مع سلمى للعمل على إنتاج سلسلة كومكس تتمحور حول الصحة النفسية، وتحديدًا للنساء العربيات. سلسلة تسعى عن قصد إلى النظر إلى السياق العام الذي نعيش فيه باعتباره جزءًا من الصحة النفسية؛ لذا ستجدن مجموعة من النساء من أعمار وخلفيات وبلدان عربية متنوعة، يلتقين في مدينة عربية غير محددة. كما تسعى السلسلة إلى النظر للصحة النفسية من منظور هؤلاء النساء، منظور لا يحصرها في المؤسسة الطبية ولا يختزلها ضمن ثنائية المرض والعافية.
ولكي لا ننطلق من تصوّرات شخصية أو من كتابات تتناول سياقات زمانية ومكانية بعيدة عنا، عقدنا مجموعة نقاش مركزة كانت الملهم والمحرك الأساسي للمشروع؛ سواء من خلال المواقف التي شاركتها النساء، أو شخصياتهن الفريدة، أو الشخصيات التي استحضرنها وألهمت رسم شخصيات "حضن جماعي". هذه المجموعة مثّلت أيضًا جانبًا من التنوع الذي ينعكس في السلسلة، وأسهمت في توسيع أفقها النظري، كما ساعدت على تحديد الموضوعات التي سنتناولها في الإنتاجات الأخرى ضمن هذا المشروع. وقد استعانت سلمى بكنّ كذلك في إعداد إحدى الحلقات، مستخدمة خاصية "الستوري" لطرح الأسئلة وجمع التفاعل.
وأثناء إعداد الكومكس، الذي ما يزال مستمرًا، طرحنا سؤالًا حول كيفية تأطير السلسلة نظريًا. ومن هنا جاءت مبادرات موازية: قريبًا ستجدن فيديو مقالي (حلطومة) حول الصحة النفسية بالتعاون مع زوز،إضافةً إلى مقالين؛ يتناول الأول تأثير ثقافة "العافية" على الصحة النفسية للنساء، بينما يناقش الثاني أثر انقطاع الطمث، وقد أعدّتهما رفيقتان لنا كانتا معنا في المخيم النسوي للإنتاج المعرفي المكتوب (وسنعرّفكن بهما قريبًا).
ننطلق في هذا المشروع من تركيزنا على الصحة النفسية باعتبارها مدخلًا لفهم أوسع، ومن رؤيتنا للنسوية كعدسة يمكن عبرها النظر إلى جوانب متعددة من العالم. ننطلق أيضًا من رفضنا لمنطق "المجالات المنفصلة"، لأننا كبشر نتفاعل ضمن تقاطعات هذه المجالات، ومن إيماننا بضرورة إعادة تسييس ما يُعتبر خاصًا، شخصيًا ومعزولًا.
ممتنّات لكل من ساهمن في هذا المشروع في مختلف مراحله؛ سواء من خلال تقديم الأفكار، أو المشاركة في الإعداد، أو عبر الجهود المبذولة في الكواليس المالية واللوجستية. نأخذ هنا فسحةً في وسط الحديث عن الصحة النفسية لنقدّر كل جهدٍ بُذل، صغيرًا كان أم كبيرًا، وأسهم في إنجاز هذا العمل.
This Content Isn't Available In English























