يُقدِّم هذا الكتيب دراسةً تحليليةً وتوثيقًا ممنهجاً للتكتيكات (أي أدوات التغيير) النسويَّة في دول الجنوب العالمي، مركِّزًا على سُبُل مواجهة المعايير الاجتماعيَّة التّمييزيَّة ومُناهضة العُنف والقمع المبني على النوع الاجتماعي. ويعتمد البحث على منهجيَّة نازعة للكولونيالية/ديكولونيالية، حيث يستعرض التكتيكات التي طوّرتها نسويات الجنوب لتحدي المعتقدات والصور النمَطيَّة والعادات والتقاليد والقيم التي ترسّخ معايير محددة للسلوك والهوية الجَندَريَّة، والتي تُستخدم بدورها لتبرير التمييز والعُنف ضد النساء والفتيات.
هذا البحث في التكتيكات النسويَّة لمجابهة المعايير التّمييزيَّة يُعد تكتيكًا بحدّ ذاته؛ إذ يسعى إلى تجاوز الأُطُر النّظريَّة النسويَّة السَّائِدة ومنهجيات البحث التقليدية، ويستبدلها بأُطُر نابعةٍ من الهامش، تستمد هذه الأُطُر قوتها من تجارب النساء في المنفى والملجأ، وفي المصانع والريف المُهمَّش، وحتى في المنازل بصفتهنّ عاملات وحاضنات، فيقدم البحث مثالًا حيًا للبراكسس (أي دمج النظري بالنضالي) ومنهجيَّة تتحدى تراتبية القوة بين الباحثة وموضوع بحثها ومبحوثيها، بجعل المبحوثة منتجةً للمعرفة والباحثة كناقلٍ أمينٍ لها وكمُشتبكةٍ بالتّساوي في النضال ومسؤوليّة التَّحرُّر، كما يهدف إلى توثيق التاريخ المعقد للنضال النسوي في الجنوب العالمي، حيث لعبت النساء أدوارًا محورية في حركات التَّحرُّر الوطني في دول مثل تونس والجزائر وجنوب وغرب إفريقيا وكوبا وفيتنام، فقد شاركن في مقاومة الظلم السياسي والاستعمار، وساهمن في التغيير الاجتماعي والثَّقافيّ عبر أعمالٍ مُباشرة مثل حمل السلاح وتمرير الرسائل وتنظيم الإضرابات والاحتجاجات، وفي الوقت ذاته، سَعَينَ إلى تحرير الأجساد والعقول من قيود الهيمنة الاقتِصاديَّة والسِّياسيَّة.
ويركّز البحث أيضًا على ضرورة فهم تحرير الأُنُوثة في سياق تحرير الذُّكورة، إذ إن البُنى الاضطهادية لا تخلق فقط تراتبيات هَرَميَّة بين الرجال والنساء، بل تساهم في إنتاج ذكورياتٍ متعددة وأنثوياتٍ متباينة أيضًا، وبالتالي، يستلزم تحقيق العدالة منهجيَّةً شاملةً تعيد النظر في الثُنائيَّة التقليديّة التي تُصوّر المرأة بوصفها المضطهَدة والرجل باعتباره المُضطهِد، ويدعو إلى أن يشمل البحث النسوي في المستقبل تجارب الرجولة المُهمَّشة، المُستَعمَرة والمُستَغَلة، إذ يرى أن النسويَّة من الهامش حركة عدالةٍ إنسانيَّةٍ تهدف إلى تحرير الأجساد والعقول من هياكل وأُطُر الهيمنة والاضطهاد بكلّ أشكاله.
في استعراضه للتحديات المُعاصرة التي تواجه النضال النسوي في الجنوب العالَميّ والتكتيكات النسويَّة والنِسائيَّة للتحرّر، بدءًا من تأثير الاستعمار القديم والحديث، مرورًا بالهيمنة الاقتِصاديَّة والسياسات النيوليبرالية وعدم الاستقرار السياسي، وصولًا إلى حالات اللجوء والنزوح والتهميش والعنصرية والاستغلال الطبقي، يوضح البحث أن تجارب الرجال والنساء في الجنوب العالَميّ ليست منفصلةً عن بعضها البعض، بل هي نتاج تداخلٍ معقدٍ لعوامل متعددة مثل العرق والطبقة والجندر، مما يؤدي إلى واقع متشعب يجمع بين جوانب القوة والهشاشة. وعليه، ينقسم البحث إلى ثلاثة أجزاء رئيسية: يتناول القسم الأول التحليل النظري، وتعريف المفاهيم الأساسيَّة التي يستند إليها البحث، إلى جانب استعراض المنهجيَّة التي تم تبنيها، والتي تهدف إلى خلخلة التراتبية الهَرَميَّة بين الباحثة والمبحوثة، أما القسم الثاني، فيقدم تحليلًا للتكتيكات النسويَّة في الجنوب العالَميّ التي استُقصيَت عبر بحث مكتبي ممنهج، في حين يتناول القسم الأخير تحليلًا لتكتيكات نسويَّة بُحثَت ميدانيًا، حيث جمعَت البيانات من خلال مقابلات ميدانية معمقة وملاحظات بالمشاركة الميدانيَّة أجريت في عدة دول، منها الأردن اليمن وفلسطين والمغرب وسوريا وتونس والجزائر والعراق ومصر.
للمزيد نضع بين أيديكن/م كُتيّب التكتيكات النسويَّة في الجنوب العالَميّ
This Content Isn't Available In English