Skip to Content

I was begging him to leave

November 22, 2025 by
I was begging him to leave
Takatoat - تقاطعات

لم أكن أعلم عندما اتصلتُ بوالدي للاطمئنان عليه يوم السابع والعشرين من أيلول/سبتمبر ٢٠٢٤ أنّ القذائف كانت تتساقط على الجبال المحيطة بمنزلنا في جنوب لبنان. فقد اتصلتُ به مقتنعةً، لسببٍ ما، بأنّ جنون العدوان الإسرائيليّ ذلك اليوم لن يطال ضيعتنا بشكلٍ كبير، فهي بعيدةٌ عن الحدود اللبنانية–الفلسطينية. كان والدي حائرًا؛ لا يريد أن يترك منزله من جهة، ويرى وتيرة القصف تتصاعد من جهةٍ أخرى. أما أنا، وعلى الجهة الأخرى من الهاتف، فكنتُ أتوسّل إليه أن ينزح. لا أذكر الكثير من هذه المكالمة سوى شعور الرعب ممّا يمكن أن يحدث:

"هل ستصل عائلتي إلى بيروت سالمة؟

ماذا لو قصفت إسرائيل الجسور والطرقات وارتكبت المجازر بالناس العالقين على الطرقات محاولين الهرب؟

ماذا لو تحوّلت محاولة الهرب إلى مجزرةٍ أخرى؟

فنحن نعرف إسرائيل وجنونها جيدًا."

كلّ شيءٍ يفقد معناه ويصبح هشًّا في وجه آلة القتل؛ فهي قادرة على أن تمحو كلّ شيءٍ في لحظة، وأن تغيّر مجرى حياتنا في ثانية. من الأمور التي أذكرها أيضًا تمسّكي بالهاتف كأنّه الوسيلة الوحيدة لضمان النجاة. فها أنا في بقعةٍ أخرى من العالم أتابع القصف الجنونيّ على جنوب لبنان عبر شاشة هاتفي الصغيرة، وأحاول معرفة تفاصيل ما يحدث من المعلومات التي أستطيع الحصول عليها من والدي. كم وددتُ لو أستطيع اختراق شاشة الهاتف في تلك اللحظة لأكون مع عائلتي، وكم غضبتُ من شعوري بالعجز وقلة الحيلة تجاه كلّ ما يجري. هناك اغترابٌ عميقٌ يرافق متابعة الكوارث التي تحلّ ببلادنا عبر شاشات هواتفنا، إذ تختزلها إلى مشاهد تجعل منّا مجرّد متفرّجين، وتجرّد الأحداث من قسوتها، فتحوّلها إلى محتوى قابلٍ للاستهلاك.

وصلت عائلتي إلى بيروت سالمة، وواصل العدوّ الإسرائيليّ حربه على مختلف الضيع والمناطق في لبنان، وبقي شعور العجز يرافقني. تزامن ذلك مع تواجدي في بلدٍ داعمٍ للصهيونية ومدافعٍ عنها حتى النهاية. ومع أنّني كنت أعلم بذلك، فإنّ مواجهة هذا الواقع كانت صعبة، ولم أكن جاهزةً لها. مثلًا، لم أكن جاهزةً للتواجد في الغرفة نفسها مع أشخاصٍ يؤمنون بأنّ إبادتنا مُحقّة، وبأنّ حياة الإسرائيليين أكثر أهميةً من حياتنا كعرب. لم أكن جاهزةً للأرق الذي أصابني بعد أول مواجهةٍ لي مع صهيونيٍّ تعمّد التواجد في اجتماعاتٍ داعمةٍ لفلسطين لتخريبها ولنعتنا بالمعادين للسامية. لم أكن جاهزةً لمتابعة القصف العنيف لضيعتي عبر هاتفي، ولسماع صوت والدي المتعب عبر الهاتف محاولًا التمسّك بأمل انتهاء الحرب في وقتٍ قريب. لم أكن جاهزةً لمواصلة عملي والمضيّ في يومي بعدها وكأنّ شيئًا لم يحدث، ولحالات ضيق النفس التي أصبحت تلازمني لأشهرٍ عديدة.

أنا أعلم أنّ الاحتلال والاستعمار يُراهنان على شعورنا بالعجز لضمان استمراريّتهما، وأعلم بأهمية محاربة هذا الشعور وتحويله إلى فعلٍ مقاوم، مهما كان هذا الفعل صغيرًا. وأعلم أيضًا أنّ إحدى أدوات الاحتلال هي سلبُنا قدرتنا على الإحساس، وعلى الحزن، وعلى الرثاء. فهو لا يسلب حقّنا في الحياة فقط، بل حقّنا في الموت، وفي رثاء الموت. لا أعتقد أنّ لدينا القدرة على رثاء هذا الكمّ الهائل من الموت الذي من حولنا، وإن حاولنا، فإننا بحاجةٍ إلى سنين، ومجالس عزاء، وطقوسٍ طويلةٍ وعديدة.

من جهتي، جعلتني السنتان الماضيتان أؤمن أكثر بأنّ نجاتنا جماعية، وغضبنا جماعي، ورثاءنا جماعي، وبأنّ عملنا وتخطيطنا للمواصلة والبقاء لا يمكن أن يكونا إلّا بشكلٍ جماعي.

زينة محيدلي -فرنسا



This Content Isn't Available In English


Share this post