استحضر النساء اللواتي كُسرن ولم يُسمع صوتهن، اللواتي وُضعن في الصفوف الخلفية للحكايات وكأنّ وجودهنّ هامشٌ لا يُذكر.
استحضر كلّ امرأةٍ خاضت حربًا صامتة خلف الأبواب المغلقة، ضدّ وجعٍ لم يُسمَّ حربًا، وضدّ قهرٍ كان يُسمّى واجبًا أو طاعة.
استحضر الأمهات اللواتي أنجبن العالم ثمّ وقفن على الأطلال،
ينتظرن أبناءهنّ من الغياب، ولا أحد ينتظرهنّ.
استحضر الجدّات اللواتي حكَيْن قصصًا ناقصة لأنّ التاريخ بُني على أنقاض أصواتهنّ.
واستحضر اللواتي لم تُتح لهنّ فرصة الحكاية أصلًا،
فحملن حكاياتهنّ في العيون، في التجاعيد، في المواعين الفارغة من الأكل والمليئة بالصبر.
استحضر النساء اللواتي حملن أطفالهنّ في حضن الخوف،
وأطعمنهم خبزًا من وجعٍ قديم، وأغانيَ تهدهد الألم أكثر ممّا تُسكته.
استحضر اللواتي سُلبت أجسادهنّ باسم الشرف،
وأرواحهنّ باسم التضحية،
وصوتهنّ باسم "العيب"،
وحلمهنّ باسم "الواجب".
لكنّي أيضًا أستحضر القوة التي لم تُدفن رغم التراب،
استحضر المرأة التي مسحت دموعها ورفعت وجهها إلى السماء وقالت:
"لن أعيش في ظلّ أحدٍ بعد الآن."
استحضر اللواتي كتبن على جدران الخراب جملةً بسيطة:
"نحن ما زلنا هنا، وسنروي الحكاية."
نحن نساء الفقد، نحمل الموت في ذاكرتنا والحياة في صدورنا.
نحمل خيبات الأجيال السابقة على أكتافنا، لا لننوء بها، بل لنُكمل الطريق.
نكتب كي لا نُنسى،
ونكتب لأنّ الكتابة فعلُ حياةٍ في وجه كلّ ما يريد لنا الصمت.
نكتب لنُذكّر أنّ المرأة، مهما حوصرت،
تخلق من الرماد شمسًا،
ومن الخراب وطنًا،
ومن الوجع حكايةً تشبه الخلاص.
منتهى محمدي - تونس
This Content Isn't Available In English